ارتبطت القمامة في أذهان الناس بأنها عبءٌ ثقيلٌ ينبغي التخلص منه منعاً للتلوث وحمايةً للبيئة، وكان يتم ذلك إما بحرقها أو رميها في مجاري المياه، الأمر الذي كان يسبب أمراضاً خطيرة مثل مرض الكبد والفشل الكلوي. وانعكست الصورة مع مرور الوقت، وأصبحت القمامة سلعة ذات قيمة اقتصادية وصناعية كبيرة تقدر بمليارات الدولارات سنوياً في حال تدويرها، وخصوصاً مخلفات الورق والزجاج والمعادن والبلاستيك التي تمثل خامات أساسية للصناعة.
في مصر، تقدر القيمة المباشرة للقمامة بـ 6 مليارات جنيه تتضاعف إلى 12 ملياراً عند تحويلها إلى سلع وسيطة في صورة خامات ومستلزمات تستخدم في الصناعة، وتتزايد قيمتها مرة أخرى إلى حوالي 24 مليار جنيه عند استخدامها في تصنيع منتجات نهائية مثل الزجاج والورق والصاج ولعب الأطفال والأحذية الرياضية والموكيت والمواسير والأجهزة الكهربائية والعبوات.
وتؤكد دراسة أجراها أستاذ تلوث البيئة في كلية الزراعة بجامعة الزقازيق، الدكتور أحمد عبدالواحد، أن بإمكان مصر أن تنتج ما قيمته 9 ملايين طن من السماد العضوي من مخلفات القمامة بما يكفي لتسميد 3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية. وتشير الدراسة إلى أنه من الممكن عن طريق عمليات الفرز وإنشاء مصانع متخصصة لتدوير القمامة تصنيع 415 ألف طن من حديد التسليح تقدّر قيمتها بـ500 مليون جنيه، و400 ألف طن من حديد الخردة تكفي لتشغيل ثلاثة مصانع حديد، و4 ملايين طن من الورق تكفي لتشغيل خمسة مصانع ورق. وتفيد الدراسة كذلك بإمكانية الإفادة من المخلفات الموجودة في القمامة لإنتاج 500 ألف طن من الزجاج، و20 ألف طن من البلاستيك، و429 ألف طن من القماش قيمتها 70 مليون جنيه، فضلاً عن إنتاج الخشب الحبيبي. وأكدت الدراسة أن تصنيع مخلفات القمامة يسهم في تحسين البيئة وتقليل معدلات التلوث وتحقيق عائد اقتصادي يُقدّر بالمليارات سنوياً، إلى جانب توفير اكثر من مليون فرصة عمل للشباب، بَيْدَ أن ذلك يحتاج إلى استثمارات تصل إلى حوالي 6 مليارات جنيه بغرض إنشاء 300 مصنع، إلى جانب 600 مليون جنيه تنفقها وزارة الصحة لعلاج الأمراض التي يسببها التلوث ومخلفات القمامة التي سوف تقلّ وقد تختفي في حال تدويرها.
60 مليون طن من المخلّفات
تقدّر دراسات متخصصة إجمالي كمية المخلفات في مصر بـ60 مليون طن سنوياً، منها 10ملايين طن في القاهرة وحدها، ولا يجري تدوير سوى 5 آلاف طن منها فقط. وبذلك تندرج مصر بين أقل دول العالم استفادةً من القمامة، حيث تعتبر عبئاً ثقيلاً في الوقت الذي تُصنّفها دولٌ أخرى على أنها ثروة قومية، وعلى رأسها اليابان التي تستخدمها في إنتاج الحديد وتوليد الطاقة. وقد كشف معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة أن قمامة القاهرة تعتبر من أغنى أنواع القمامة في العالم نظرا لما تحتويه من المواد العضوية والبلاستيك والنحاس والورق والزجاج والقماش والصفيح. وتورد مصلحة الضرائب المصرية في تقاريرها أن جَمع وبيع وتدوير مخلفات القمامة يدر دخلاً كبيراً، وتقول إن أحد الزبالين في منطقة العمرانية في محافظة الجيزة دفع لمصلحة الضرائب حوالي 200 ألف جنيه مقابل نشاطه في جمع القمامة وتدويرها لمدة ثلاث سنوات.
وأوضحت دراسة صادرة عن وزارة البيئة المصرية أن حجم القمامة في كل المدن المصرية يتزايد بشكل كبير بسبب زيادة السكان وأن تدوير هذه الكميات يمكن أن يؤمّن 9 ملايين طن من السماد العضوي. الأمراض المُزمنة والثمن الباهظ يُذكر أنه في المناطق التي تتكدّس فيها أكوام القمامة وتترك لفترات طويلة، تتفاعل مع العوامل البيئية الأخرى وتتسبب في نشر أمراض مُزمنة تكلف وزارة الصحة المصرية حوالي 600 مليون جنيه سنوياً، وفي مقدمتها أمراض الكبد والجهاز الهضمي والفشل الكلوي. ويقول عامل جمع قمامة في ميدان الجيزة اسمُه محمد رمضان، إنه يبدأ جمع القمامة الساعة الخامسة صباحاً وينتهي منها في الثامنة صباحا، وإن أهم مراحل العمل تتمثل في فرز القمامة من قِبَل بعض النسوة والأطفال ويحصل كل واحد منهم على 20 جنيهاً، ثم يتولى وبعض الشركاء توزيع تلك المواد على الورش المنتشرة في منشية ناصر والمقطم والعاشر من رمضان، وينتج عن تدويرها الأكياس البلاستيكية والأسلاك الكهربائية.
يضيف محمد رمضان إن بعض الورش تطلب زجاجات المياه الغازية، لكن تجّار الجملة يشترون المواد التي يتم فرزها من القمامة ويصدرونها إلى الخارج وتحديدا الصين. ويقول أستاذ الفيزياء في كلية العلوم بجامعة طنطا الدكتور عبداللطيف أبو العطا، إن الدول الغنية تستفيد من القمامة بدرجة كبيرة، وتحقق مكاسبَ تضاف إلى دخلها القومي. وتنتج الدول الأوروبية حوالي 120 مليون طن ورق من القمامة، وفيها يتم تدوير مخلفات الألمنيوم والبلاستيك والمواد الصلبة، إلا أن الاهتمام بعملية التدوير لايزال بطيئاً في العالم العربي، نظراً لقلة الاستثمار في هذا المجال.
تدوير القمامة في مصر
يوجد في مصر 63 مصنعاً لتدوير القمامة موزعة على كافة المحافظات، منها سبعة في القاهرة وأربعة في الجيزة. وتعمل وزارة التنمية المحلية بالتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي على تنفيذ خطة لإنشاء 15 مصنعاً لتدوير القمامة خلال سنة بتكلفة قدرها حوالي 5 ملايين جنيه لكل مصنع. وتعيش قرابة 30 ألف اسرة مصرية على أعمال تدوير القمامة والصناعات القائمة عليها، وتتركز تحديداً في منطقة منشية ناصر والمُقطّم في محافظة القاهرة. وتبلغ قيمة المواد التي يتم تدويرها حوالي 10 ملايين جنيه، ويُعتبر هذا مقابلا بسيطا بسبب ضعف عمليات التدوير التي يقوم بها الأفراد. وتجري إعادة تصنيع تلك المواد بطرق عشوائية وبسيطة ومن دون تنظيف، الأمر الذي يزيد من إصابات العاملين ويستلزم وضع منظومة كاملة تشمل جميع مراحل التدوير، وتجنّب تشغيل الأطفال لتفادي إصابتهم بالأمراض.