يولد الطفل وهو على فطرة نقية طاهرة، ويبدأ في محاولات النطق كلما كبر في السن حتى يفقه لغة من هم حوله، ويبدأ بجمع مفرداته بسهلها ومعقدها وواضحها و مبهمها,لكنه ينهل من ثروة أسرته اللغوية والاصطلاحية والايمائية، فتكون أفكاره قريبة من فكر من هم حوله وقد ينطق شيئا حمّال أوجه ومفاهيم وقد يكون جميلا أو مؤذيا دون قصده، فهو لا يدرك كنه ما يقوله بالضرورة وقد يحرز مطالبه عن طريق البكاء والصراخ ثم يقتنع بأن رفع الصوت هو سبيل الحوار والتأثير. وهذا متعلق بما يراه من معاملات وتصرفات أبويه وأهل داره ومثلما يحفظ كلمات وعبارات سليمة وحسنة فإنه يخزن في عقله الكلام الفج والبذيء وربما يقذف به سواه من بيته أو جيرانه أو أقرانه دون وعي لفحواه.
وهذا الخطر يتعمق ويزداد حين يغيب الوازع الديني خصوصا إذا كانت عادة القراءة والاطلاع والتساؤل ضعيفة غير مرغوب فيها. فالطفل الذي يقرأ و يناقش ويعترض , يتعلم التحفظ، ويستطيع التفرد بلغته الجديدة وحين يعرف حدود مرضاة الله مع وصوله للتمييز والبلوغ يصبح لديه حافز لفعل الصالح وترك الفاسد لكنه يتأثر انفعاليا بما تربى عليه وما وجده في بيئته. فمهما تحدى وحاول التغيير والتحكم، سيلاقي عثرات وسقطات كل ذلك منطلقه في نوعية القدوة التي وفرها له والداه وبقية العائلة وإذا استمر الاهمال ووصل لحد فشل الرقابة على الطفل في الشارع سيجني محصلة لغوية من جيرانه وأقرابه قد يكون من الصعب منعه عن التكلم بها ويظهر ذلك في فلتات لسانه وحين يثار غضبه، هذا الغضب الذي يكون مكتسبا من خلال قناعاته تجاه حل مشاكله وإزاء فهمه لسلوك الآخرين.
ولذا فإن الاسرة الناجحة المستقيمة الذكية، يدرك صاحباها وأفرادها كم هم قادرون على إنجاب جيل صالح قولا وفعلا ولفظا وفكرا وانفعالا وسلوكا، إذا تخيروا لأنفسهم أرقى الكلمات وأنقى التعاملات وهذا هو بيت القصيد وشرط التحصين للطفل البريء حتى لا ينشأ بلسان سليط ومنفلت وغير نظيف، مما يسهم في بناء مجتمع متعايش مهذب متحاور صبور ليس في قاموسه العنف والاستهزاء والقذف والسب والشتم والاقذاع والتشهير والهمز واللمز.
وقد تبين لنا من كل ما تم ذكره سلفا، أن الصوت واللفظ والفكر والايماء والسلوك أمور صادرة عن تربية المرء ومتشابكة ببعضها البعض، ولا يمكن التحكم فيها إلا من خلال بيئة مرموقة صافية ويمكن أن نحدد اسباب توفيرها بالسبل التالية:
1- إفشاء السلام
2- الدعاء الصالح
3- ذكر الله كثيرا
4- الحوار البناء والشراكة في القرار
5- كظم الغيظ
6- مرافقة الأطفال ومعرفة أصحابهم
7- تبيين أهمية القول الحسن وثوابه عند الله
8- إحاطة الكلمات السيئة بجو من الرفض والامتعاض
9- الامتناع التام والكامل عن قول أي كلمات جارحة وذات إيحاء جنسي مخل
10- التعامل بسقف عال من المحبة والتودد
11- نشر ثقافة الصفح والتسامح والتنازل والصبر عند الأذى
وكل اسرة تسير وفق هذا المنوال ستنجو بأفرادها وتصل بر الأمان والصلاح بإذنه تعالى