تثير دراسة صدرت في السادس عشر من الشهر الحالي جدلاً بين الباحثين لأنها تقلب الطاولة على بعض النظريات القديمة حول دور القهوة الخالية من الكافيين، في نشوء أمراض القلب وتعزز ما تتحدث عنه المصادر الطبية في الآونة الأخيرة من أن القهوة العادية والشاي وغيرهما من المشروبات الطبيعية المحتوية على الكافيين هي في الواقع مفيدة وغير مضرة على القلب أو في نشوء أمراضه من خلال احتوائها على المواد المضادة للأكسدة. لكن من المبكر بناء الكثير على هذه الدراسة لأن ما يميز تطور الطب في السنوات القليلة الماضية هو البحث العلمي على أسس دقيقة لإبداء النصائح الطبية وفق ما دلت عليه الدراسات وإن كان بعضها مخالفاً لما كان يُعتقد منذ سنوات طويلة.
في الندوات العلمية لرابطة القلب الأميركية المنعقدة في دالاس منتصف هذا الشهر أعلن الباحثون من أتلنتا بولاية جورجيا الأميركية أن القهوة منزوعة الكافيين ترفع خطورة الإصابة بأمراض القلب بنسبة تفوق ما قد تفعله القهوة العادية. والدراسة التي تدعى دراسة القهوة وعمليات دهون البروتين قام بها الباحث الدكتور روبرت سيبركو وفريقه وشملت بحث تأثير تناول كلا النوعين من القهوة، ما هو منزوع الكافيين والطبيعي بمقدار يتراوح بين 3 إلى 6 أكواب يومياً لمدة شهرين. وفي نهاية الدراسة لم يجد الباحثون فرقاً بين نسبة تحليل سكر الدم بعد الصيام أو نسبة أنسولين الدم أو نسبة الكولسترول الكلي أو الكولسترول الثقيل المفيد للجسم أو نسبة الدهون الثلاثية بين مجموعات الدراسة. لكن المثير للانتباه هو أن نسبة الأحماض الدهنية الحرة عالية بين من يتناولون القهوة منزوعة الكافيين، وهي المرتبطة بارتفاع نسبة الكولسترول الخفيف، وهو الكولسترول الضار على الشرايين في القلب وغيره.
لكن الملاحظ على الدراسة أنها قصيرة الأمد ولم تشمل سوى حوالي 200 شخص، ونحتاج في سبيل إثبات ضرر هذا النوع من القهوة إلى مزيد من البحث وتتبع الأثر لمدة أطول ضمن مجموعات أكبر وخاصة مرضى شرايين القلب أو مسبباته من اضطرابات الدهون أو مرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو السمنة. بيد أن المهم للمتأمل هو أن القهوة العادية لم تؤثر على الكولسترول أو الدهون الثلاثية أو السكر.
ولذا ما تزال رابطة القلب الأميركية في نصائحها الأخيرة تتبنى أن دور تناول كميات عالية من الكافيين في نشوء أمراض شرايين القلب لم يثبت حتى اليوم وأن الأمر ضمن نطاق الدراسات الطبية لم يثبت له ضرر. وتضيف أن مادة الكافيين لها تأثيرات متعددة في الجسم منها أنها منبهة للجهاز العصبي المركزي وتزيد من ذوبان الأحماض الدهنية من الأنسجة الشحمية وتؤثر على الكلى عبر زيادة إدرار البول الذي ربما يؤدي إلى الجفاف لدى البعض، لكن على حد قول الرابطة ان الثابت حتى اليوم هو أن تناول كوبين من القهوة يومياً لا يضر القلب مطلقاً، وأن أعراض التوقف عن تناول الكافيين التي أهمها الصداع تظهر لدى البعض من 12 إلى 24 ساعة بعد تناوله لآخر مرة وتستمر في أقصى تقدير إلى 48 ساعة فقط. وكانت الرابطة في نصائحها وإرشاداتها الأخيرة للأطباء حول كيفية معالجة مرضى جلطة القلب قد ذكرت أنه لو كان المريض المصاب بالنوبة القلبية من الناس الذين يتناولون القهوة فإنه لا مانع مطلقاً من تناول ثلاثة أكواب من القهوة في أول يوم من الإصابة بالجلطة حينما يكون المريض في العناية المركزة! وهو ما يؤكده باحثو مايو كلينك من أن تناول كميات متوسطة من الكافيين بمقدار 300 مللي غرام أي ما يعادل أربعة أكواب من القهوة يومياً هو أمر غير ضار بالصحة. الكافيين إحدى المواد الطبيعية الموجودة في كثير من المنتجات النباتية، وتعمل في عدة مناطق من الجسم، ففي الدماغ تحل محل مادة تدعى أدينوسين في الالتصاق بخلايا الدماغ لأنها شبيهه بها من ناحية التركيب، ولذا فإن خلايا الدماغ بدل أن ترتاح بتأثير مادة الأدينوسين فإنها تتنبه وتنشط بتأثير الكافيين، وبالتالي تزيد من أوامرها للجسم بإفراز مادة الأدرينالين، الأمر الذي يؤدي إلي زيادة عدد نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة تدفق الدم إلى العضلات وتقليل جريان الدم داخل الأوعية الدموية في الجلد والأعضاء الداخلية في البطن وغيرها من التأثيرات الحيوية. لكن الملاحظ أن الدماغ يتخلص سريعاً من مادة الكافيين بعكس المواد الأخرى المثيرة للدماغ كالكحول أو الأدوية المنبهة. كما أن الاستمرار في تناول الكافيين ينشئ مع الوقت حالة من التعود وقلة التأثير الحيوي على الجسم. تناول الكافيين بكميات معتدلة يومياً أي حوالي 300 ميلغرام لم يثبت له ضرر أو إزعاج لكثير من الناس، لكن تناول الكميات العالية التي تتجاوز 600 مللي غرام أي اكثر من سبعة أكواب من القهوة فإنه يؤدي لدى البعض إلى الشعور بعدم الراحة والقلق والتوتر وفقدان النوم والصداع والغثيان والإسهال وربما خفقان القلب أي إحساس المرء بنبضات قلبه. هذه الحالة من الحساسية لتناول الكافيين إن صح التعبير تختلف من إنسان إلى آخر، ووفق ما تشير إليه نشرات مايو كلينك فإن عوامل عدة تؤثر في هذا منها كتلة الجسم، فذوو الكتلة القليلة من الجسم يتأثرون بسرعة بخلاف من لديهم زيادة في الوزن، ومن يتناولون المواد المحتوية على الكافيين باستمرار هم أقل تأثراً، وتعرض المرء للضغوط النفسية أو الجسدية يجعله سريع التأثر بالكافيين، وكذلك الحال مع صغر السن والتدخين وتناول بعض الأدوية كبعض المضادات الحيوية أو الأدوية الموسعة للقصبات الهوائية أو الهرمونات.
من الأمور التي يظنها البعض أن تناول المشروبات المحتوية على الكافيين يؤدي إلى المساهمة في إنقاص الوزن، وهو أمر غير ثابت بشكل علمي حتى اليوم لا من ناحية طول مفعول تأثير خفض الشهية للأكل ولا من ناحية زيادة حرق الدهون لإنتاج الطاقة، لكن إدرار البول يزيد وبالتالي يقل وزن الجسم من ناحية الماء فقط.
الأطفال والحوامل.. والكافيين , لا توجد نصائح محددة للهيئات الطبية في الولايات المتحدة حول أعلى كمية من الكافيين مسموح للطفل بتناولها، لكن الهيئات في كندا تقول إن تناول 45 ميلغراما هو أقصى حد للطفل يومياً منه، أي ما يعادل عبوة واحدة من المشروبات الغازية أو نصف كوب من القهوة أو أربعة قطع من الشكولاته بوزن حوالي 40 غراما للقطعة.
وتأثير الكافيين على الأطفال مشابه لما هو لدى البالغين بيد أن تأثرهم أسرع وأكبر نظراً لقلة وزن الجسم لديهم، لكن النصيحة بتقليل تناولهم للكافيين هو بسبب تأثير المشروبات المحتوية عليه وخاصة المشروبات الغازية لأنها تزودهم بكميات عالية من السكريات التي تزيد من وزن الجسم أو أحد المحليات الصناعية كالسبلندا أو أسبرتام التي لا تنقضي أضرارها على البالغين والأطفال. كما أنها تحلل مكونات العظم وتجعله عرضة للهشاشة وكذلك الحال مع الاسنان، إضافة إلى نقص سوائل الجسم والتعرض للجفاف بسرعة. كما أنه ليس صحيحاً أن الكافيين يؤدي إلى قصر نمو عظم الأطفال وبالتالي نقص طولهم.
أمان تناول الكافيين أثناء الحمل ما يزال يثير جدلاً بين الباحثين، لكن كثيراً من الدراسات تحذر من تناول كميات عالية منه لأن هناك خطورة معتبرة للإجهاض أو الولادة المبكرة أو تدني وزن المولود، برغم عدم وجود أدلة قوية على هذا وهو ما يحتاج إلى مزيد من الدراسة. لكن الثابت أن الكافيين يعبر المشيمة إلى الجنين حينما تتناوله الأم الحامل كما أنه يخرج مع حليب الرضاعة مما يرفع من معدل النبض لدى الجنين والرضيع وكذلك مقدار زيادة حركته ونشاطه.