التقدم الطبي ينتصر لـ "التجميلي" على حساب "التقويم"
"صحة الفم من الأمور الضرورية للحفاظ على الصحة عموماً وعلى نوعية الحياة". أتت هذه الجملة ضمن أحد منشورات منظمة الصحة
العالمية لتؤكد ما يردده أطباء الأسنان حول صحة الفم والأسنان مرآة لصحة الإنسان.
الدكتور فاضل العلوي يشدد على هذا المفهوم بطريقة أوضح فيؤكد أن طبيب الأسنان لا يعالج تسوس الأسنان أو يخلع التالف منها فقط، بل يتعدى دوره إلى علاج أمراض خطيرة ومميتة أيضاً.
ويلفت أن طرق وتقنيات العلاج للكثير من الأمراض تكون أبعد ما تكون عن الجراحة، ولها الكثير من النتائج المذهلة. مؤكداً أن هناك أكثر من مدرسة "منهج" في علاج أمراض الفم والأسنان تقدم طرق غير تقليدية للعلاج بعيداً عن الكرسي الذي تتم فيه أغلب علاجات الأسنان.
وتمنى أن تنتشر تقنيات العلاج المتبعة في الكثير من المدارس الطبية الرائدة في مجال طب الأسنان في البحرين بسرعة، لأن ذلك يساهم في التخفيف من معاناة المرضى، كما أنه سيساهم أيضاً في التخفيف على موازنة الصحة العامة عبر اكتشاف الأمراض بسرعة وتقديم العلاج المناسب لها.
حديث "الوسط الطبي" مع الدكتور العلوي ضم تفاصيل كثيرة حول "الشرقة"، والاختلال الفكي، وطرق علاج غير تقليدية. نترككم مع التفاصيل...
أبعد من التسوس والخلع
بدأ الدكتور فاضل العلوي اختصاصي علاج الحالات المستعصية بالابتعاد عن الجراحة حديثه بالتأكيد أن طبيب الأسنان لا يقتصر على دوره على معالجة التسوس، أو خلع الأسنان التالفة فقط، بل تتجاوز وظيفته إلى علاج العديد من الأمراض.
وبيّن: "أشهرها مرض الاختناق أثناء النوم "الشرقة" أو "الجاثوم" حسب المسمى الشعبي، والاختلال الفكي، وصعوبات النطق، وعبر علاج هذه الأمراض تزول أعراضها".
وتوقف كثيرا عند الاختناق أثناء النوم "الشرقة"، وقال: "هذه الحالة المرضية ليست سهلة أبداً ولها العديد من الأعراض الجانبية الخطيرة على صحة الفرد فتسبب له العديد من الأعراض كقلة النوم، وتؤخر النمو، وتضعف من مناعة الجسم".
واستند في التدليل على خطورتها المؤدية للموت للتراث الإسلامي، فقال: "أعلى درجات خطوة "الشرقة" أنها تؤدي للموت، وقد أشار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي عليه السلام لهذا المعنى في قوله "مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ: ... تَؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ، وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ، وَتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ". والتي وردت في باب قصار الحكم في نهج البلاغة". واضاف: "اليوم وفي ظل تقدم علوم الطب تم التعرف أكثر على آلية حدوث "الشرقة" عند الإنسان، وفي المقابل أجريت العديد من الدراسات والبحوث لإبعاد مخاطرها عن الفرد".
وأوضح د. العلوي زميل الاتحاد العالمي لجراحي الأسنان: "الدراسات الحديثة كشفت أن الاختناق أثناء النوم "الشرقة" والمعروف محلياً باسم "الجاثوم" ينتج بسبب انسداد مجرى التنفس بشكل جزئي فيسبب العديد من المضاعفات، أو بشكل كامل فيؤدي للموت". واضاف: "حينما يستلقي الإنسان على ظهره لينام ترتخي عضلة اللسان فترجع للخلف و تضيق أو تسد مجرى التنفس، مما يحدث خللاً في وظيفة التنفس، فتقل نسبة الأوكسجين في الجسم مما يحرم المصاب من النوم العميق والاستيقاظ المتكرر أثناء الليل وهو أحد أمراض اضطرابات النوم".
ويؤكد "أن اضطرابات النوم تجر وراءها العديد من الأعراض المرضية مثل تأخر النمو، وتقليل المناعة، ولذا فإنك تجد المصابين ضعاف البنية، يشعرون بالنعاس أثناء النهار، المصابون يكونون عصبيي المزاج. وتجد هذه الأعراض عند الأطفال بشكل ملفت فتجدهم ضعاف البنية محدودبي الظهر قصار القامة، حركيين بشكل مفرط، تغلب عليهم شقاوة الأطفال، تجد هالات سوداء أسفل العين".
وأشار إلى أن "الشرقة" سبب رئيسي في 80% من أمراض القلب، ومضاعفاتها كالسكتة والجلطة القلبية.
30 مليون نسمة
وحول انتشار "الشرقة" قال: "محلياً ليس بين يدي أي احصاءات، ولكن عالمياً تشير الأحصاءات لاصابة 40% من سكان العالم بالمرض. وتوضح الاحصاءات أيضاً إلى أن 24 من الرجال يصابون به مقابل 9% من النساء، و10% من الأطفال يصابون به منذ الولادة". واضاف: "المرض يصيب 30 مليون امريكي أي ما يعادل 10 % من نسبة السكان في الولايات المتحدة الأمريكية".
وبالنسبة لتشخيص وعلاج "الشرقة" قال: "محلياً هناك غياب كامل لطرق وآليات اكتشاف المرض، وحتى المريض لا يستطيع التعبير بشكل سليم عن المرض، بل يشرح اعراضه وأهمها قلة النوم وصعوبات في التنفس أثناء النوم. الطبيب هنا يسارع في فحص الجهاز التنفسي". وتابع: "فحص الجهاز التنفسي لن يكشف عن المرض لأن الاختناق يحدث أثناء النوم. والنتيجة الطبيعية هي خلو الجهاز التنفسي من أي قصور لأخذ الفحوصات والمريض مستيقظ، ولأن الخلل ليس في الأعضاء، بل في وظيفة الجهاز التنفسي أثناء النوم".
وأوضح: "هنا نحن بحاجة لآلية أخرى في فحص اضطرابات النوم للوقوف على السبب الحقيقي وراءها، وهي تتم عن طريق اختصاصيي اضطرابات النوم. ثم نبدأ بالعلاج المناسب".
"توسيع مجرى القصبة الهوائية هو علاج "الشرقة" أو ما نسميه محلياً بـ "الجاثوم". هكذا أجاب ببساطة عن علاج المرض المسبب لأعراض كثيرة تبدأ بضعف النمو ولا تنتهي عند أمراض القلب. وتابع: "هناك عدة حلول علاجية يجريها طبيب الأسنان منها الجراحة عبر قطع جزء من اللهاة أو كيها بالليزر لتصغير حجمها، أو ارتداء مضخة الأوكسجين "CAPA" أثناء النوم لتبقي القصبة مفتوحة طوال الليل. وهناك طريقة سهلة أيضا وهي عبر دفع الفك السفلي للأمام عبر جهاز يلبسه المريض".
واشار إلى ان هناك أساليب وقائية كتخفيض الوزن للبدناء، وتجنب أكل الوجبات الدسمة قبل النوم، وممارسة الرياضة، والنوم على الجنب وليس على الظهر.
وأكد أن التوجه بشكل مباشر للطبيب المختص سيوفر معاناة كبيرة على المريض.
بين التقويم والتجميل
وانتقل د. العلوي عضو الأكاديمية الأميركية لتجميل الأسنان للتحدث عن حالة أخرى تقع ضمن اختصاصات طبيب الاسنان. وقال: "الاختلال الوظيفي الفكي الصدغي عبارة عن ألم عضلي يحدث عندما لا تعمل الأسنان مع مفاصل الفك بالطريقة الصحيحة، يشير إلى المشاكل الموجودة بين عضلات الفك والأربطة التي تربط بين الفك الأسفل وعظم الصدغ الموجود عند قاعدة الجمجمة".
وقال أن اختلال الفك يسبب العديد من الأعراض المرضية أهمها، "الشرقة"، و الصداع، تلف الأسنان، ألم في الوجه والرقبة والأكتاف، ألم في الأذن، ألم خلف العين، صعوبة في فتح وغلق الفم، طنين في الأذن، وخز في الأيدي.
وأوضح: "علّ أعقد هذه الأعراض الصداع النصفي الذي يصعب علاجه وفقاً للمناهج الطبية المتداولة ويحال المريض لمراجعة الطب النفسي بعد أن تثبت الفحوصات خلوه من أي مرض عضوي".
"العلاج سهل وبسيط، وسترتفع الأعراض المرضية عند زوال السبب". هكذا تحدث عن علاج الاختلال الفكي. وبيّن: "العلاج قائم على فلسفة بسيطة جداً وهي دفع الفكين للأمام، وهذا ممكن ويجري على من هم دون 15 عاماً، وهو الآن متاح أمام جميع الفئات العمرية".
واستدرك: "فلسفة العلاج تحمل تعارضاً شديداً بين مدرستين في علاج الأسنان الأولى: مدرسة تقويم الأسنان –المنتشرة في البحرين- ويقوم عملها على سد الفراغات بين الأسنان عبر خلع بعض الأسنان وارجاع الأسنان للخلف. والثانية: مدرسة تجميل الأسنان التي تقوم فلسفتها على توسيع الفك، والمحافظة على مسافات بين الأسنان والمحافظة على وظيفة الفك والأسنان".
وأوضح: "الخلاف شديد جداً بين النظرتين لكن الدراسات أثبتت أن التقويم يسبب مشاكل صحية أو أمراض بعد 5 -10 سنوات، وهنا رجحت كفة مدرسة تجميل الأسنان التي تراعي الجانب الوظيفي للفك والأسنان".
ولفت إلى أن علاج الاختلال الفكي يتم دون جراحة. وقال: "وظفت خبرتي ومعرفتي بدمج آليات العلاج في تقويم الأسنان، والطب التجميلي في تصحيح وضع الفك لمرضاي، وحصلت على نتائج مذهلة". وقال: "إن العلاج يحتاج من 7 – 10 جلسات".
وأبدى د. العلوي أسفه لمحدودية علاج الاختلال الفكي في البحرين، وأشار إلى أن السبب يعود لتسيد مدرسة التقويم في علاج الأسنان في المملكة.
مؤكدا في الوقت نفسه صعوبة اقناع أطباء تقويم الأسنان بالعلاج المستخدم في علاج الاختلال الفكي وذلك للتعارض الشديد بين مدرستي طب التقويم والطب التجميلي.
مرّن لسانك "بس مو على الكلام"
وأخذنا د. العلوي في محطة أخرى في فنون علاج أمراض الفم، وتوقف عند اللسان وقال: "يعد ضمور وضعف عضلة اللسان من الأمور التي تؤثر على صحة الفم، ولها انعكاسات على بعض وظائف الجسم".
واشار إلى أن الحالة قد تكون منتشرة وذلك بسبب طريقة الأكل التي يقل فيها المضغ – وللسان دور كبير في تحريك الطعام أثناء المضغ- وهناك توجه عند الأمهات في اطعام اطفالهم الطعام المهروس منذ سن 6 أشهر وحتى السنتين. وهذا يتسبب بضعف في عضلة اللسان.
وذكر حالة مرضية مرت عليه، فقال: "اصيب شاب بفقد النطق، وشلل في يده اليسرى، وعجز عن تناول الطعام عن طريق الفم، وفُتحت له فتحة في صدره يتغذى منها، قبل أن يأتي للعيادة". وتابع: "علاجته عن طريق تمارين اللسان، فنطق في الجلسة الأولى بكلمة نعم، مما أثر فيه وفي زوجته اللذان بكيا من الفرح".
وكشف عن وجود مدارس طبية في البرازيل تمارس علاج الكثير من الأمراض عن طريق تمارين اللسان منذ أكثر من 30 عاماً.
ولفت إلى أن جرأة الطبيب ورغبته في تقديم العلاج المناسب للمريض يلاعبان دورا كبيراً في البحث عن التقنيات والطرق الجديدة في العلاج والانفتاح على مدارس طبية جديدة.
وقال: "ما أقدمه من علاج للـ "الشرقة" أو للـ "الاختلال الفكي" أو لعلاج ضمور اللسان ليس علاجاً جديداً، بل هو ممارس ومطبق عند مدارس طبية لها حضورها الواسع عالمياً".
وفي نهاية اللقاء تمنى على الأطباء أن يختطوا نهجاً يقوم على تقديم كل ما ينفع المريض، والانفتاح على المدارس الطبية المختلفة في طب الأسنان لأن ذلك يصب في مصلحة المرضى.