يرى معظمنا العالم ملوّناً، ونحن نستمتع بالنّظر إلى مرج يانع الخضرة، أو إلى وردة حمراء متفتّحة. أمَّا إن كان المرء مصاباً بعيوب الرّؤية اللّونية، وهي ما يُشار إليه غالباً باسم "عمى الالوان"، أو بضعف في رؤية الالوان، فهو يرى تلك الأشياء على نحو مختلف عن بقيّة النّاس.
عمى الالوان هو عبارة عن عدم القدرة على التّمييز بين بعض الالوان أو كلها بينما يميّزها الآخرون، وهو مرض شائع لكنّه لا يهدّد القدرة على الإبصار، ويعني إصابة الإنسان بخلل يفقده القدرة على رؤية أحد الالوان الثّلاثة التّالية: الأحمر، الأزرق، أو الأخضر، أو اللّون النّاتج عن خلطها معًا، ومن النّادر جدًّا أن نجد شخصًا مصابًا بعمى الالوان الكامل (لا يميّز بين جميع الالوان، وفيه يبدو له كلّ شيء بدرجات الأسود والأبيض).
عمى الالوان قد يغيّر مجرى حياة من يصاب به، فقد يزيد من صعوبة تعلّم القراءة، وقد يحدّ من إمكانيّة التّقدّم في العمل في مجالات معيّنة، ولكنّ الّذين يعانون من عمى الالوان، سواء الأطفال منهم أو البالغين، يستطيعون مع الوقت التّأقلم والتّعويض عن عدم قدرتهم على رؤية ألوان معيّنة.
تزداد نسبة إصابة الذّكور بهذا المرض أضعافًا عن نسبة إصابة الإناث به، حيث تشير الإحصائيّات الحديثة إلى إصابة 8% من الذّكور مقارنةً بنسبة 0.4% من الإناث.
تحتوي شبكيّة العين للإنسان الطّبيعي على ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطيّة الشّكل؛ مخاريط حمراء (64%)، مخاريط خضراء (32%)، ومخاريط زرقاء (2%). في داخل كلّ مخروط صبغات محدّدة وظيفتها امتصاص الضّوء المنعكس من على الأجسام ومن ثمّ إدراك الالوان. في الإنسان السّليم الّذي يتمتّع برؤية ثلاثيّة الالوان فإنّ جميع المخاريط في شبكيّة العين تكون سليمة وجاهزة للعمل في أيّ وقت، أمّا في حالة الإصابة بهذا المرض يكون هناك خلل في أحد المخاريط الثّلاث.
يعدّ عدم التّمييز بين الاخضر والأحمر النّوع الأكثر شيوعاً من بين أنواع عمى الالوان، وتصل نسب عدم التّمييز بين الأصفر والأزرق إلى أقلّ من واحد من كلّ عشرة آلاف إنسان على مستوى العالم، أمّا عمى الالوان الكامل فأكثر ندرة من النّوعين السّابقين.
هناك عدد من الأسباب الّتي يمكن أن تؤدّي إلى عمى الالوان، ويعدّ العامل الوراثي (الجيني) أهمّ هذه الأسباب، أي أنَّ المرء يرث ذلك عن أحد أبويه. غالباً ما ينقل الرّجل الجين المسؤول عن عمى الالوان إلى أطفاله، ومن النّساء من تورث أطفالها جينات مضادّة للمرض. هناك أيضاً حالات طبّية يمكن أن تسبّب عمى الالوان، ومن هذه الحالات مرض ألزهايمر، إدمان الكحول المزمن، السّكّري، الزّرق (المياه الزّرقاء في العين)، ابيِضاض الدم (اللّوكيميا)، داء باركنسون، بعض أنواع فقر الدّم، أو كنتيجة لتعاطي بعض أنواع الأدوية والعقاقير العلاجيّة.
يمكن أن يؤدّي التّعرّض لبعض المواد الكيميائيّة إلى عمى الالوان (كربون ثنائي السّلفيد، وبعض الموادّ المستخدمة في الأسمدة)، كما يمكن أيضاً أن يكون التقدّم في السّنّ سبباً حيث أنّ قدرة الإنسان على تمييز الالوان تتراجع تراجعاً بطيئاً مع التقدّم في السّنّ.
يمكن أن يكون المرء مصاباً بعمى الالوان من غير أن يدرك ذلك، وتستمرّ الحالة عادة من غير علاج إلى أن يتمّ اكتشافها مصادفة. ومن الممكن أن يجهل المرء أنّ لديه عيباً في الرّؤية اللّونيّة إلى أن يواجه -مثلاً- مشكلة حقيقيّة في التّفريق بين ألوان إشارة المرور الضّوئية، أو أن يتمّ انتقاده لعدم تناسق لون الجورب مع باقي ملابسه.
قد يكون عمى الالوان خفيفاً، متوسّطاً، أو شديداً،، وإذا شكّ المرء بإصابته، أو إن كان أحد أقربائه مصابًا، فعليه أن يستشير طبيب عيون.
يتمّ تشخيص المرض عن طريق اختبار خاصّ لرؤية الالوان يسمّى اختبار إيشيهارا، ويقوم هذا الاختبار على مجموعة من الصّور تحتوي على بقع ملوّنة وعلى واحد أو اكثر من اﻷرقام ملوّن بلون مختلف عن باقي أجزاء الصّورة، ويكون من الممكن مشاهدة هذا الرّقم من قبل شخص سليم النّظر، ولكن ليس من قبل اﻷشخاص المصابين بعمى اﻷلوان.
وفي فحص آخر يطلب من المريض ترتيب قطع لعبة ملوّنة بمجموعات ألوان وأطياف. المصابون بعمى الالوان لا يكونون قادرين على تصنيف وترتيب القطع كما يجب.
علاج عمى الالوان الوراثي أو تصحيحه أمر غير ممكن، ومن غير الممكن أيضًا منع ظهور مشاكل عمى الالوان. لكن يمكن معالجة جزء من مشاكل عمى الالوان المكتسب، وهذا يكون بتصحيح المسبّب. فعلى سبيل المثال، إذا كان سبب عمى الالوان هو السكّري، فإنّ السّيطرة على سكّر الدّم قد تساعد على استعادة القدرة على رؤية الالوان من جديد، أو تصحيحها لدرجة معيّنة على الأقلّ. وكذلك الحال إذا كانت المشكلة هي عرض جانبي لدواء معيّن، فمن الممكن تحسين رؤية الالوان بالتوقّف عن تعاطي ذلك الدّواء.
تتوافر في الأسواق عدسات لاصقة أو عدسات خاصّة للنّظّارات تساعد على التّمييز بين الالوان المختلفة، لكنّ هذه العدسات لا تضمن رؤية ألوان طبيعيّة، إذ أنّها قد تشوّه صورة أجسام معيّنة.
ممّا ينصح به أيضًا تعلّم استغلال درجة وضوح اللّون أو موقعه بدلاً من اللّون نفسه، فمثلاً، يستطيع المصاب تعلّم ترتيب مواقع ألوان الإشارة الضّوئية الثلاث، أو وضع علامات لتمييز الأجسام ذات الالوان المختلفة، لتساعد المصاب على ترتيب ملابسه -مثلاً- بحيث تكون ألوانها متناسبة.
بالنسبة للأطفال المصابين بعمى اﻷلوان، يجب إخبار مدرّسيهم عن حالتهم، ليتمّ تجنّب وضع الطّفل المصاب في مكان به إضاءة مبهرة، وليقوم المدرّسون باستخدام لون من الطّباشير يمكن للطّفل رؤيته.