يبتعد مجتمعنا عن حقيقة واقعة لا مفر منها، و هي ضرورة الثقافة الجنسية في تربية اطفالنا ، فالثقافة الجنسية الصحيحة التي يجب على الأهل التحلي بها لتوجيه أطفالهم و توعيتهم هدفها الرئيسي مساعدتهم على مواجهة المواقف الصعبة بتروي ليميز الطفل الأمور المسموحة من الممنوعة من قبل كل من حوله، فبعض هذه المواقف الحرجة قد تقتل براءتهم و تدمر حياتهم الى الأبد اذا ما تم اهمال الطفل و التقصير في مصارحته و بناء الثقة مع أهله. و التحرش الجنسي بالأطفال هو احدى الأمور التي قد يواجهها الطفل في حياته و يعتمد تأثيرها على مدى وعي الطفل المسبق و النصائح التي تعلمها من والديه ليتعامل مع مثل هذه المواقف.
أظهرت احصائيات منظمة الصحة العالمية أن التحرش الجنسي بالاطفال ظاهرة منتشرة في جميع دول العالم و لكن النسب في تسجيل مثل هذه الحالات يختلف بين دولة و أخرى لأسباب مرتبطة بالثقافة و الوعي في تلك الدول. و التحرش الجنسي بالاطفال يعني أن يتعرض الطفل ذكرا أم أنثى دون ال18 عشر من العمر تبعا لتعريف منظمة الصحة العالمية، لإحدى الحالات التالية من قبل بالغ, قد يكون التحرش شفهي بتعليم الطفل ألفاظ جنسية نابية أو الاساءة اليه لفظيا, بتحسس جسم الطفل، ملامسة أعضائه الجنسية، استخدام جسده لإشباع رغبة البالغ، تعريض الطفل لمشاهدة صور و أفلام جنسية و اكثر أنواع التحرش الجنسي تطرفا بالاطفال هو الاغتصاب.
هو موضوع حساس نخاف منه نحن في المجتمع الشرقي، و نتحاشى الحديث عنه لأسباب و مفاهيم كثيرة، منها الفهم الخاطئ لتناول الموضوع الجنسي مع اطفالنا و هروبنا من الحديث معهم عن أي موضوع يتعلق بالجنس من منطلق أن الجنس خط أحمر ممنوع التحدث به فهو عيب و حرام، و لا نعرف نحن كأهل أننا اذا لم نقم بهذا الدور بطريقة صحيحة من طرفنا و برعايتنا، فإننا نعرض اطفالنا للأذى من استقبال المعلومات الجنسية بطريقة خاطئة و مدمرة من أطراف أخرى خارجة عن سيطرة الأهل. لذى فان تثقيف الطفل في المنزل من قبل والديه هو أسلم طريقة لتجهيزه تدريجيا لمواجهة المجتمع بوعي و إدراك و كل فئة عمرية لها اسلوبها الخاص بالتوجيه و التربية الجنسية. و الغاية الرئيسية من هذه المصارحة بين الأهل و طفلهم، هو جعله يشعر أنهم ملجأه الوحيد لمصارحتهم بما قد يواجهه من أمور يكون قد تعلم أنها ممنوعة و يجب أن يمنع الغير من اجباره عليها. كأن يتعرض لتحرش من قبل شخص آخر أكان من عمره أو أكبر سنا، فمعرفة الطفل المسبقة بما يجب تفاديه سيجعله يميز بين المسموح و الممنوع في تعاملاته اليومية مع الآخرين.\
و يؤكد أخصائيو التربية النفسية و الاجتماعية أن أساس حماية الطفل من التحرش الجنسي هو قيام الأهل بدور المصارحة و تقوية علاقتهم بطفلهم لكي يشعر بأنهم أفضل طرف يمكنه التحدث معه، و ذلك بحال شعر بأن شيئا خاطئا قد حصل معه. و تنبيه الاطفال عن موضوع التحرش الجنسي يتم من قبل الأهل و عليهم أن يخاطبوا أطفالهم تبعا لعمرهم فلكل فئة عمرية كلماتها و مستواها الخاص بإدراكها العقلي فلا يمكن على سبيل المثال توحيد ما يجب قوله للمراهق مقارنة بطفل لم يتجاوز الخمس سنوات, و من هذه النصائح:
- من الأخطاء التي تمارس في مجتمعنا، أن يقوم أحد الأقارب أو الجيران بملاعبة الطفل عبر مد اليد على عضوه من فوق الثياب و ممازحته أنه صبي و يسأله عن وضعها من باب الملاطفة لصغير في السن, فهذا يبني مفاهيم خاطئة عند الطفل حول أصحية مثل هذه الملامسة في الوقت الذي علينا تنبيه أن لا يسمح لأحد بملامسة أعضائه الجنسية أبدا, أما المراهق فتقول له نفس الشيء و لكن مع شرح العوارض الجانبية لمثل هذه الأفعال على الصعيد الديني،النفسي،الجسدي و الأخلاقي.
- تطلب من الطفل أن لا يتعرى أمام أحد سوى أمه اثناء الاستحمام, و أن عليه دائما تغطية عورته.
- لا تسمح لأحد بتقبيله على شفتيه، بل القبلة دائما على الخدين فقط.
- أن لا يتعلم أن يختلس النظر على أحد في الحمام أو في غرفة تغيير الملابس لأنه عمل سيء.
ابن ثقتك مع طفلك لكي يشعر دائما بأنك من يجب عليه مصارحته بكل شيء يواجهه في حياته اليومية، فالطفل يغيب عن عينيك دائما لعدة اسباب ضرورية كالذهاب الى المدرسة، فلا تدعه يغيب عنك نفسيا أيضا بعدم تعويده على المصارحة اليومية. و على الأهل دور هام في تعليم الطفل التمييز بين اللمسة المسموحة و الممنوعة من قبل الغير, كأن تعلمه أن السلام باليد و القبلة على الخد مسموحة من قبل من يعرفهم و لكن القبلة على الفم ممنوعة من ايا يكن, و اذا قال لهم أحد الأشخاص أن لا يخبر أهله عن لمسة قد يقوم بها، فعليكم تعليمه أن هذا الأمر ممنوع و يجب أن يخبركم به في أسرع وقت. فعليكم أن تعلموا الطفل أن يميز مع الوقت بين ما هو مسموح به من قبل الآخرين و الممنوع, لكي لا ينعكس الأمر عليه اجتماعيا و يصبح عدائيا و يفهم التنبيه بطريقة شمولية تمنعه من التواصل مع محيطه من الأصدقاء و الأقارب.
تؤكد الدراسات أن التحرش الجنسي في الأغلب يتم من قبل أشخاص موضع ثقة للطفل, كأن يكون أحد أفراد الاسرة أو من الخدم، أحد موظفي المدرسة كالسائق، أو أحد جيرانه، و النسب الأقل التي تكون من قبل الغرباء، فالطفل يشعر بالأمان مع الشخص الثقة الذي يعتاد عليه و لا يظن في اي لحظة أن ما يطلبه هذا الشخص المتحرش هو عمل سيء لشعوره بالأمان معه، فمجرد أن يبادر المتحرش بالطلب من الطفل بالتحدث معه عن أمور جنسية لا يجب عليه قولها له أو تحسس جسد الطفل تبدأ الأمور الخطرة على الطفل، فلو كان الطفل يعرف مسبقا أن هذه الأمور ممنوع حصولها من قبل أي أحد نتيجة نصيحة أهله له، لكان اما منع المتحرش من القيام بها أو عاد لأهله ليخبرهم بما حصل معه لأنهم بنوا الثقة و الجسور القوية مع طفلهم ليصارحهم بما تعرض له.
على الأهل تثقيف أنفسهم جيدا عن العلامات التي تطرأ على طفلهم في حالات التحرش الجنسي، فعندها يستطيعون ملاحظة هذه العلامات للقيام بالخطوة السريعة في حماية طفلهم قبل فوات الأوان، فعند صمت الطفل عن مصارحة أهله بالتحرش، يجب على الأهل ملاحظة مجموعة أمور في سلوكياته تجعلهم يتنبهوا لما تعرض له من دون أن يخبرهم بذلك. فعلى سبيل المثال، اذا شعر الأهل بأن طفلهم يحزن، يرتبك أو يخاف عند لقائه كل مرة بشخص معين ايا يكن قربه من العائلة أكان عما أو قريبا أو صديقا، فعلى الأهل سؤال الطفل بهدوء و بدون حضور اي شخص عن سبب انزعاجه من لقاء هذا الشخص، و عليهم أن يطمئنوه أنه هو غير مخطئ و أن دوافع سؤالهم مجرد الاطمئنان عليه و مساعدته لأنهم يحبونه و أن أحدا لن يؤذيه في حال صارحهم و هو بين أحضان أهله. و في نفس الوقت على الأهل عدم الاستنتاج السريع في مثل هذه الحالات فقد يكون الطفل يكره هذا الشخص لمجرد شعوره أن شكله غير مريح أو لرائحة فم كريهة تزعجه كل مرة يقترب منه, لذا على الأهل دائما أن يراقبوا و لا يبنوا رأيهم بناءا على ردة فعل واحدة فهذا غير كاف للاستنتاج النهائي عن سبب انزعاج طفلهم و لكن التنبه مطلوب.
يقول الأخصائيون أن لحالات التحرش الجنسي علامات تظهر على شخصية الطفل, و لكن هذه العلامات قد يكون سببها أحيانا الكآبة بعيدا عن التحرش الجنسي، لذا وجب على الأهل أن ينتبهوا لهذه العلامات و يراقبوا طفلهم جيدا دون حسم سبب هذه الظواهر الجديدة على شخصيته و لكن معرفتها ضرورية جدا و هي:
- حصول رغبة مفاجئة للطفل بلمس جسد غيره من الاطفال أو حتى البالغين, أو الطلب من أهله ملامسته بطريقة غريبة عن المعتاد، فقد يكون الطفل قد شاهد افلاما خلاعية من قبل المتحرش.
- حصول خوف مفاجئ من لقاء شخص أو حضور مناسبة أو نشاط كان الطقل من قبل يحبها جدا و يسعى للتواجد بها, و على الأهل التنبه أن الطفل عادة يخاف التحدث عن مخاوفه الحقيقة أمام المتحرش, فحاول أن تسأله عن شكوكك بعيدا عن أحد.
- التغير المفاجئ في ردات فعله و في شخصيته، كأن يكون طفلا هادئا و فجأة يصبح شرسا و عدائيا, و العكس صحيح.
- قد يعاني الطفل الذي تعرض للتحرش الجنسي من تحولات في نظام نومه اليومي، فيصعب عليه النوم أو أن ينام طويلا, أو أن يرغب في الحفاظ على خصوصية معينة كأن يقفل باب غرفته دائما بعيدا عن أهله على غير عادته السابقة.
- بعض الاطفال قد يلجأ لرسم النار كثيرا على دفتر الرسم و باللون الأحمر و قد يصبح مهووسا بالنار على غير عادة.
- التغير المفاجئ في عادات الأكل، كأن يصبح الطفل اكثر شرها أو أن ينقطع عن الطعام, و ذلك لكي يغير شكل جسمه و يجعل المتحرش أقل اهتماما به ليتخلص منه.
- ظهور أوجاع في منطقة الأعضاء الجنسية، و الشرج، ظهور ضربات أو علامات عنف على جسده, فعليك أن تأخذ طفلك مباشرة لطبيب الاطفال للاطمئنان على وضعه و معرفة سبب هذا الألم.
ان الحديث عن التحرش الجنسي هو ليس لإخافة الأهل و جعلهم يشككون في كل شيء بل الحرص هو الواجب و المعرفة أساس الوقاية و ذلك تفاديا لوقوع أي سوء لا سمح لله لفلذة أكبادنا. تابعونا في الأيام المقبلة مع المقال المكمل لهذا المقال و ما يجب فعله اذا وقع تحرش جنسي لطفلك.