لا بد أن نذكر في البداية أن تأثيرانفصال الآباء على نفسية أطفالهم يختلف بشكل عام بحسب عمر الأطفال، فالطلاق يكون له أثر أكبر على نفسية الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 8 سنوات، بينما يكون أثره أقل على الأطفال الذين تتراوح أعماهم بين (8-13) سنة.
إنفصال الوالدين يدخل تغيراً هائلاً في حياة أي طفل أو طفلة، حيث يشهد الطفل ضياع الحب والتفاهم بين والديه، و وجود شرخ في العلاقة الزوجية التي تربط والديه، بالاضافة إلى تنقل الطفل بين أسرتين مختلفتين بعد الانفصال وهي اسرة الأب وأسرة الأم، وغياب أحد الوالدين بسبب أن الطفل يعيش مع واحد منهما، كل هذه التغيرات تخلق ظرف عائلي جديد للطفل وعليه أن يعيش فيه، ويعتبر الطلاق تغيير جذري في حياة الطفل، وذلك بسبب تغير حياته بشكل كبير عن ما كانت عليه من قبل.
وبسبب هذه الأحداث تحدث استجابات مختلفة إلى حد ما عند الطفل أو الطفلة، ويشعر الطفل لدى انفصال والديه أنه عليه أن يعتمد على نفسه بشكل اكبر، وهذا يثير مشاعر سيئة لدى الطفل الذي لا يزيد عمره عن 8 سنوات ويحاول أن يقوم بتصرفات تمنع والديه من الانفصال، كما يتسبب الانفصال بمشاعر اكثر عدوانية للطفل في سن المراهقة فهو يرى أن والديه قاما بإيذائه عندما انفصلا، ولذلك هو لا يمانع القيام بإيذائهم، وقد نتسائل لم هذا الاختلاف في ردود الفعل بين الطفل الذي لا يتجاوز عمره عن 8 سنوات والطفل في سنة المراهقة.
والإجابة هي لأن الطفل بسنواته الثمانية الأولى يعتمد بشكل كبير على والديه، وعلى رعايتهم، وحياته الاجتماعية تتمثل في عائلته ولهذا نجده يحمل كماً كبيراً من مشاعر الحزن، بينما الأطفال في سن المراهقة هم اكثر استقلالية عن عائلاتهم، وأكثر بعداً عن آبائهم وأمهاتهم، وهم مرتبطين بأصدقائهم أكثر، ولديهم حياة خارج البيت، لذلك تحدث لديهم ردة فعل عدوانية ضد الوالدين تتمثل في عدم الرغبة بالعودة للبيت ورفض الواقع الجديد.
الطلاق يهز ثقة الطفل بوالديه، لأن الطفل يعتبر أن قرارهم بالانفصال هو تصرف غير مقبول، إن الطلاق يقسم الاسرة إلى قسمين، وعلى الطفل أن يعتاد على العيش في هذين القسمين، وهذا يخلق جواً من عدم الأمان، وعدم الاستقرار، لأن الطفل بحاجة إلى أن يبقى مع والديه دون أن يكون مجبراً على الابتعاد عن واحد منهما.
من الممكن إقناع الطفل أن وضع الانفصال الذي توصل إليه والديه لن يدوم طويلاًً، وإنما هو حل مؤقت، وأنهما سيعودان للحياة مع بعضهما البعض بعد فترة من الزمن، وفد يساعد هذا الطفل على تجاوز ما يشعر به من ألم تجاه انفصال والديه. ولكن هذا الحل قد يكون له تأثيرات سلبية في المستقبل في حال عدم الوفاء بالوعد و يمكن أن يؤدي إلى فقدان ثقة الطفل بالوالدين
إن انفصال الوالدين عن بعضهما يثير لدى الطفل أسئلة مخيفة مثل ما الذي سيحدث لاحقاً؟ من سيعتني بي؟ كما أن الطفل سيعتقد أن والديه سيتوقفان عن حبه والاعتناء به لأنهما استطاعا أن يتخليان عن بعضهما، وبما أنه فقد إحدى الوالدين ويعيش مع واحد منهما سيسأل نفسه ماذا لو خسر أمه أو أباه الذي يعيش معه؟ هذه الأسئلة ستثير الكثير من المخاوف لدى الطفل.
ويؤثرهذا الخوف وهذا القلق على الطفل، فتظهر عليه تصرفات جديدة لم يكن يتصرفها من قبل كالبكاء في السرير، والتبول في الفراش بدلاً من استعمال المرحاض، والتشبث بالوالدين بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى إصابته بنوبات الغضب، كما ويفقد بشكل مؤقت بعض المهارات الذاتية التي كان يتقنها، مما يجبر والديه على الاعتناء به أكثر، الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عن 8 سنوات يتصرفون كذلك، لكن الأطفال في سن المراهقة يكونون اكثر استقلالية في التفكير فيميلون إلى التعامل بمزيد من القوة مع وضع الاسرة الجديد، وغالباً ما يتعامل المراهق بشكل اكثر حدة مع هذا الوضع، ويتجاهل وضع الاسرة غير المستقر، ويعمل على رعاية نفسه بعد فشل الآباء برعايته بحسب رؤيته.
بالنسبة للأولاد في سن المراهقة، فإنه على من يتولى رعايتهم سواء الأب أو الأم أن يظهر لهم مزيداً من التفاني والاهتمام بمصلحة الجميع، كي لا يتجه المراهق بشكل مبالغ به نحو الانفصال عن أسرته والاهتمام بنفسه ورعاية نفسه، خاصة أنه غير مؤهل في هذا السن للقيام بذلك.
وبالنسبة للأبوين الذين انفصلا ولديهم أطفال لا يتجاوز سنهم 8 سنوات، فعلى الأم أو الأب الذي يتولى رعايتهم أن يسعى بأسرع وقت لإعادة جو النظام والأمان والطمأنينة للأسرة، وذلك لاستعادة ثقة الطفل في أسرته، وخلق شعور لدى الطفل بأن الاسرة الجديدة أيضاً بإمكانها رعايته وتنفيذ كل ما يطلبه منها.
بالمحصلة يجدر بمن يتولى رعاية الأطفال من الآباء، بعد الانفصال، أن يقوم بتأسيس اسرة جديدة يتواجد فيها كل النشاطات والأمور الروتينية التي كانت تحدث في الاسرة السابقة قبل الانفصال، ليشعر الطفل من جديد أنه في جو آمن، كما ويجدر بالوالدين أن يخلقا طقوس بعد الانفصال تشعر أطفالهم بأنهم ورغم انفصالهما ما زالا يكنان نفس الحب لهم، وأنهم ما زالوا يعملون بشكل مستمر لرعايتهم وراحتهم، فمثلاًً إذا كانت الاسرة قبل الانفصال تذهب رحلة مع الأطفال في عطلة نهاية الاسبوع، فإن هذا الأمر يجب أن يستمر بعد الانفصال.